ليلة عن الحزن والله والشيطان

ليلة عن الحزن والله والشيطان

كانت ليلة من الليالي العظيمة التي أعيشها، أنا أسمي جميع أيامي "عظيمة" لأنني مع سيري في رحلتي الخاصة في حياتي تعلمت ذلك.

كم أن أيامي عظيمة.. كم أن أوقاتي عظيمة.

أقوم للشرفة ليلاً لأنظر إلى السماء وأقول في نفسي:


"يا إلهي أعجز عن حمدك وشكرك على ما أوصلتني إليه، ولأنني أعلم أن الطريق لا ينتهي وأنه ليس هناك حدوداً فإنني أطلب المزيد، لأن في ذلك المزيد عمق أكبر في دعائي لك" -خالد نور الدين


لطالما كنت أفكر في الأسئلة لكنني أحمد الله كثيراً على ذلك الوعي الذي جعلني شخصاً آخر.

من الجيد أن تعرف المزيد والمزيد عن نفسك، لا أعرف كيف للأشخاص أن تعيش دون أن تعرف من هي؟ ولم هي موجودة؟ والكثير من الأسئلة التي لا تنتهي والتي عندما تجد إجابتها تحصل نقلة كبيرة في حياتك.

هل تنتظر الإجابة مني؟
اسمع جيداً، كنت مثلك تماماً، انتظرت كثيراً ليجبني أحد عن ما أسأل لكن لم ترضيني الإجابات. لذا، حتى أنا لا يمكنني إعطائك ما تبحث عنه لكن يمكنني إخبارك كيف تحصل عليها..

"تحصل على تلك الإجابات منك أنت!"

اليوم مليء جداً بالأشياء التي تأخذك بعيداً عنك. في الواقع لا يتوقف عقلك عن التفكير والتحدث فهناك العديد من القصص و"الحوارات" (المواضيع) التي تدور في حياتك.

نحن إما نفكر في المستقبل وإما نفكر في الماضي وهذا يجعلنا ننسى الحاضر وننسى الاستمتاع به وتقديره. بذلك لا تجعل الأوقات الرائعة والجميلة تدوم طويلاً لأنك تفضل تذكر ماضيك السيء والرهبة والخوف من مستقبلك.

هناك تفاصيل جميلة جداً، الأمر الذي يجعلك تستمتع بتلك التفاصيل، الأشياء البسيطة والصغيرة هو وعيك باللحظة التي تعيشها الآن والذي يجعلك تشعر بالسعادة والحزن.

نعم الشعور بالحزن!

الشعور بالحزن صحي جداً لك، من الطبيعي أن يشعر المرء بالحزن بل من الجيد أيضاً. 

لكن من السيء أن تعيش فيه لأن الحياة ليست كذلك واقناع نفسك بذلك يجعلك تعيش أمراضاً أنت في غنى عنها.

بالحديث عن الحزن ولأنني مررت بذلك الموقف الليلة كنت ذاهباً إلى أصحابي لأستمتع بليلة السنة الجديدة.

لا يمكنني إخبارك بكمية الفرح والإنتشاء الذي أشعر به في هذا اليوم من السنة في كل سنة.

كان الجو بارداً وليس كأي يوم، وأثناء سيري في أحد الشوارع المظلمة وجدت امرأة عجوز مسنة تجلس وقد لفت عليها غطاءً لتتجنب هذا الجو البارد.

مررت بجانبها وأعطيتها بعض النقود، تأثرت بذلك المنظر حتى وصلت لأصحابي وأكملت يومي بشكل طبيعي واستمتعت بتلك الليلة، بعدها عدت للمنزل وأنا أشعر بالنعاس الشديد، غيرت ملابسي وأخذت استعداداتي للنوم وبعدها تمددت على السرير وأنا أتغطى بغطاء ثقيل يجعل الشتاء صيفاً بداخله.

وبعدها بمجرد وضعي لرأسي تذكرت أمراً، تذكرت العجوز التي كانت بلا مأوى وتلف نفسها بالغطاء وتنام وهي جالسة.

أنا أنام على سرير مريح ودافىء، والعجوز تنام في هذا الجو وهي جالسة.

لم أنم جيداً تلك الليلة وحزنت كثيراً في عدم تقدير المرء لما يعيش فيه، أحياناً لا تعرف السبب إلا أننا بشر يوجعنا رؤية ذلك فقط دون شيء.

هناك أيضاً أمراً آخر، استصغار النعم أو عدم رؤيتها وتكبير الأمور التي نراها سيئة.

أعلم أنني لست كذلك الآن وتعلمت تقدير الأمور البسيطة وهو شيء يجب أن تتعلمه أثناء نضوجك. لكنني مازلت بشراً أحزن وأتذمر عندما أرى شخصاً آخر يعاني، الأفضل دائماً الصلاة والدعاء لهم.

من الأمور التي تؤكد لك سيرك في الطريق الصحيح هو حبك لحياتك، تكترث لكل ما يحدث وتصلي أن يتغير الحال السيء لهم وأن يديم الحال الجيد.

ما يسمى بـ"النية الطيبة" الصافية. من الممكن أن تسوء حالتنا إلى مستويات عميقة جداً ويكون ذلك الحال السيء هو أعلى حالة جيدة يريدها غيرك.

لا أحد يهتم أو يرى بعينه إلا ما يريد أن يراه، في الحقيقة ليس ذلك ما يريد أن يراه بل ما يريده شيطانه.

انظر لحال الناس، لا يهتمون أصلاً بمقاومة شياطينهم، يستمعون ويتبعون الأوامر فقط. 

إياك أن تظن أن الشيطان هو شيء خارجي يقوم بجذبك نحو الشر، شيطانك من صنعك!

يتصور البعض أن الشيطان هو ذلك المخلوق الأحمر الذي يقوم بالدخول في البشر بينما هناك فرق بين الشيطان والجن.

الشيطان الخاص بك هو الجانب السيء الذي يعيش فيك، تلك التعاليم والصور التي كبرنا عليها لها مخزى وهدف آخر، لكن ما يحدث الآن أن الناس يتذكرون تلك الصورة وينسون أعماله.

الشيطان ليس شيئاً خارجياً لتحمل أعباءك وذنوبك عليه، لا تجعل أحداً من الذين ينتمون للمجتمع المتشابه بأن يقنعك بتلك الترهات، ليس من المفروض أن تخاف شيطانك.

هو شيء بداخلك يجب أن تحاربه وأن لا تستمع له. يخبرك بأن تفعل كل شيء يضرك، والأهم من ذلك كل شيء يضعفك لكي تكون سهلاً وتفعل المزيد من أوامره.

أتعرف لماذا تسمع كلامه؟ لأنني لا أسمع كلامك! لا أسمع منك شيئاً ترد به عليه.

أتعرف كيف ترد عليه؟ عندما تنظر له، عندما تبقيه في مواجهتك وليس في الجهة التي تقف فيها.

لا يمكنك أن تقاتل أحداً وتكسر وجهه بقبضتك وهو بجانبك أو خلفك بل يجب أن يكون في مواجهتك لتراه بوضوح. يحصل ذلك في حالة واحدة، عندما تعرف ما الذي يدور في عالمك الداخلي، صلتك قوية بنفسك..

عندما تتوقف عن الاستماع لكلامه لفترة من الزمن وعندها تبدأ بتمييز صوته وحرقه مباشرة. نفسك، روحك الطيبة تقوى صلتها بك عندما تهتم بها، تستمع لك عندما تقوم بالأعمال الخيرية..

تشعر بذلك في حينها، كأن هناك شيء يبتسم بداخلك، شعور من البركة والراحة. كلما اقتربت من روحك، كلما فهمت ورأيت الحياة بصورتها الحقيقية التي لا يعرفها البشر، قليلون هم من يعرفون ذلك.

تدرك بعدها لماذا كل شيء، تدرك غايتك وما تريده، تحيا من جديد حياة لا تنتهي لأنك مع الروح والروح لا تموت أبداً.


"إن الماضي تفسير، والمستقبل وهم. إن العالم لا يتحرك عبر الزمن وكأنه خط مستقيم، يمضي من الماضي إلى المستقبل. بل إن الزمن يتحرك من خلالنا وفي داخلنا في لوالب لا نهاية لها. إن السرمدية لا تعني الزمن المطلق، بل تعني الخلود." - القاعدة الـ28 من قواعد العشق الأربعون



روحك هي هويتك الحقيقية.

الله يحبك.

الله يريدك.

الله قد رفع منزلتك. هل تدرك ذلك؟


"لما نظر الصحابة رضي الله عنهم في المعسكر إلى امرأة فقدت ابنها وأخذت تبحث عنه ورأوا الطفل وهو يقبل بعد أيام والأم تبحث عن الطفل والطفل يبحث عن الأم فجاء الطفل الصغير يكاد يتعثر في مشيته لما رأى أمه ركض إليها ولما نظرت الأم إليه ركضت إليه فلما التقيا وتعانقا والأم تبكي والطفل يبكي لم يبق أحد من ساداتنا الصحابة إلا وبكى فنظر النبي إليهم وقال: “ما الذي أبكاكم” قالوا حنانة هذه الأم على ولدها قال: ” أترونها ملقية ولدها في النار ” قالوا: لا يا رسول الله قال: ” الله أرحم بهذه الأم من ولدها ” عندما نستشعر هذا الإستباق من الله بهذه المعاملة الراقية ألا نحب هذا الرب ألا نشتاق إليه ، فمعنى الشوق إلى الله يبعث الواحد على أن يتساءل أين أنا من صلتي بهذا الرب.يغفر لك ولا يتوقف عن ذلك أبداً مهما فعلت." -الحبيب علي الجفري


والشيطان يخبرك بأن ذنوبك الكبيرة لا تغفر، لكن اعلم ذلك جيداً، عظمة ذنوبك لن تسوى من عظمة الله بعوضة فالله عظيم جداً، غفور رحيم ويغفر الذنب مهما كان كبيراً، مهما كان كثيراً.

قد رأيت ذلك بنفسي، كلمة واحدة "استغفر الله" تدمر ذنوبك وشيطانك عندما تعنيها وكلما كررتها زادت قوتها وقوتك معاً. الشيطان والذنوب يفسدان حياتك.

كن مؤمناً أن الجنة والنار موجودة هنا والآن، كلما فعلت خيراً كلما ذهبت للجنة، الجنة والنار يعيشان بداخلك ليس في مكان بعيد.


"إن جهنم تقبع هنا والآن، وكذلك الجنة. توقفوا عن التفكير بجهنم بخوف أو الحُلم بالجنة، لأنهما موجدتان في هذه اللحظة بالذات. ففي كل مرة نُحب، نصعد إلى السماء. وفي كل مرة نكره أو نحسد أو نحارب أحداً فإننا نسقط مباشرةً في نار جهنم" - القاعدة الـ25 من قواعد العشق الأربعون


أنت من يقرر إلى أين أنت ذاهب.

أين أنت تعيش.

أحببت مشاركة بعض من تلك الليلة لأنني فكرت وتأملت فيها العديد من الأشياء التي تنمو بالفكر وتقرب للروح.

أنا سعيد جداً أنني عشت تلك السنة الماضية بحلوها ومرها ولا أندم ولا أحزن على شيء أبداً، وسأكتب تدوينة جديدة أتحدث فيها عن ذلك.

أما الآن فأنا أتمنى لك ليلة سعيدة..

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-