دعني أخبرك أمراً، بالرغم من أن تلك الحياة كانت صعبة جداً وربما من أصعب فترات الحياة التي يمر بها البعض إلا أنني لطالما أردت الدخول فيها.
كنت دائماً أفكر بأن الجميع يخافها، الجميع يراها صعبة لا يمكن تقبلها وهذا السبب هو ما جلعني أرغب بها بشدة.
بعد تخرجي من كلية الهندسة قمت بخوض تلك التجربة التي يخبرني جميعهم بأن أفعل المستحيل مثلما يفعلون للخروج منها، ولكنني أخبرت نفسي بما أريده.
بما أنني لا يمكنني أن أدخل الكليات الحربية *لبعض الظروف* فإنني أريد خوض التجربة.
هنا في مصر يكون التجنيد إجبارياً إذا توافرت بعض الشروط في الذكر.
تركت كل شيء على الله ولم أستخدم أي وسيلة لأحصل على شيء ليس لي، حتى كان يخبرني أصدقائي وأقاربي بأنهم يريدون مساعدتي ولكنني رفضت كل ذلك ولم أرد التدخل فيما سيحدث لي.
خضت التجربة وصرت ضابطاً في القوات الجوية.. يا له من شعور.
عندما أتحدث مع أصدقائي الذين خاضوا تجربة الحياة العسكرية فإن جميعهم لا يطيق تذكر تلك التجربة أو التفكير فيها حتى، بعضهم يبدأ بلعن تلك الأيام.
لكنني أحببت كل شيء في تلك التجربة، لا أنكر أنني عشت أياماً صعبة وربما أصعب من أي شخص يعيشها بعدي أو قبلي بسبب قائدي الذي لن يتكرر! والذي تعلمت منه كثيراً ولم أرى مثله مجدداً في حياتي.
لا أنكر أنني تمنيت انتهاء تلك الأيام ولكنه كان شعوراً لحظياً فقط.
أضحك الآن وأنا أكتب لأنني تذكرت بعض الأصدقاء الذين اعترى الرعب، الخوف، الإرهاق وجوههم في ذلك الوقت.
"كيف هي تركيبتك؟!! .. أنت! .. أنت شخص غريب جداً وربما أعظم شخص سأعرفه في حياتي"
أحد الذين صاروا من إخوتي في ذلك الوقت.
حصلت على أصدقاء أعتبرهم إخوتي التي لم تلدهم أمي بسبب أوقات الشدة التي صرخنا فيها وقتلناها معاً!
أحصل على الكثير من الرفقة طوال الوقت، لكن من أصنفهم ضمن إخوتي هم أشخاص ليسوا بكثر.
لا أرى نفسي عظيماً بل أرى عكس ذلك تماماً في قرارة نفسي.
أنا أعترف أنني أستخدم كلمة حب بشكل قد يختلف عن أكثرية الناس في هذا العالم، بالنسبة لي الحب هو أساس كل شيء، ومع هذا فإن ذلك الحب قد ازداد أكثر في هذا الوقت الصعب.
لن تصدقني حين أخبرك، بأنني كنت أحب فراشي الذي أنام عليه بعد الجهد الشاق طوال اليوم، كنت أحب السماء التي أنظر لها عندما يشتد الألم، كنت أحب منظر الجبال والبحر عندما أقوم بالتأمل في وقت الراحة.
فأماكن التدريب كانت مليئة بالمناظر الطبيعية بعيداً عن المدينة والمساكن المرتفعة والأماكن الضيقة التي تقصر النظر.
ربما تحدثت كثيراً، ولكنني أستمتع بذلك لأنني أتذكر وأنا أكتب اللحظات التي امتلأت بالقلب المشتعل باستمرار بسبب الجهد المبذول.
سأخبرك الآن بما تعلمته من الحياة في القوات المسلحة:
1- الراحة بعد التعب.
لم أشعر براحة كتلك التي شعرت بها في ذلك الوقت!
ربما تحصل على الراحة في النوم كل يوم بعد يومك الطويل، لكن الراحة في حياة القوات المسلحة لها طعم آخر لأنك لا تتذوقها كثيراً.
الراحة القصوى التي تحصل عليها تكون بعد التعب الشديد. كلما تعبت أكثر كلما شعرت براحة أعمق في وقت الراحة وفي إجازتك.
إنه شعور عظيم ولأنه كذلك لن تحصل عليه إلا ببذل مجهود عظيم.
"الأشياء تظهر من خلال أضدادها.." - شمس الدين التبريزي
2- خروج كامل من منطقة الراحة (The Comfort Zone)
أنت تعمل باستمرار وكل يوم، في أي لحظة تحدث العديد من التغيرات وقد يطلب منك أعمال مختلفة في أي وقت وهذا يعني أن تكون مستعداً باستمرار لأي شيء طارئ خارج ما تعلمت وتعودت القيام به (خارج روتينك).
أنت تعمل طوال الوقت، وهذا يعني أنك خارج منطقة الراحة دائماً، طلبات العمل ليست ثابتة فمثلاً في تمرين الضغط اليوم ستعمل 30 رفعة وفي الغد 50 سواءً تستطيع ذلك أم لا فهذا لا يعني أنك ستتوقف عن التمرين لأنك تعبت!
3- لا مبررات، تفعل أو لا تفعل (يمكنك القيام بكل شيء)
ليس هناك مجال لعدم الانضباط أو تنفيذ أمر ما. إما أن تفعله أو لا تفعله.
في القوات المسلحة يمكنك القيام بكل شيء حتى الذي لا تعرفه ستضغط على نفسك لتعرفه.
ليست هناك مبررات لعدم حلاقتك لذقنك مثلاً لأنه ليس لديك الوقت!
4- الحمد أصبح له مفهوم أعمق من السابق بعدة مراحل.
من أعظم الأشياء التي وجدتها في تلك الحياة العسكرية هي تقدير كل شيء جميل!
أحمد الله على الوقت مع عائلتي، أحمد الله على تناولي للفواكه الملونة، أحمد الله على الذهاب لصالة الجيم... والعديد من النعم التي لا تنتهي.
أنا سعيد جداً بتلك التجربة فكما تعلم، الإنسان لديه حياة واحدة وبالنسبة لي أردت رؤية تلك التجربة وعيشها بتفاصيلها.
أثبت لنفسي بعض صور قوتي الداخلية التي لم أتصور وجودها بداخلي.
كنت قوياً جداً، واعلم أن من يخوض تلك التجربة يجب أن يكون فخوراً من نفسه على قدرته في تحمل ذلك النوع من الحياة.
أحياناً أُسأل "لو عاد الزمن للخلف، هل كنت ستختار تلك الحياة؟"
ومع أنني لا أحب هذا النوع من الأسئلة، إلا أنني أجيب "بالتأكيد دون تردد!".
أراك في تدوينة جديدة صديقي..